حسب التاريخ والفترة

حسب العلامات

    حسب الفئة

    • كل التصنيفات

    في عصرنا الحالي لا يكتب التاريخ العظيم فقط، وبالضرورة، من لدن القوى العظمى الرائدة. وبعض الكليشيهات في التعامل مع الأحداث تشتت انتباهنا إزاء الأمور الرئيسية ولا نرى عظمة العمالقة الحقيقيين في هذه الأيام

    أحدهم هو إبراهيم تراوري Ibrahim Traoré، الرئيس الحالي لبوركينا فاسو (أو “وطن النزهاء”)، البلاد التي كانت تسمى فولتا العليا، ويعيش فيها 21 مليون شخص، وهي واحدة من أفقر البلدان في العالم.


    بوركينا فاسو، التي عاشت في عام 1987 ابشع اغتيال لزعيم ثورتها، توماس سانكارا Tomas Sankara. ومن المرجح أن حكومتا الولايات المتحدة وفرنسا تقف وراء الانقلاب.

    الصحفي إيليا زنامينسكي، الذي كان متطوعا وتوفي أثناء مشاركته في العملية العسكرية الخاصة، حدثنا عن الموضوع:


    ” توماس سانكارا، خلال 4 سنوات فقط من حكمه للبلاد (عمره لم يتجاوز 37 عاما عند اغتياله)، تمكن من إجراء تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية واسعة النطاق. إستطاع إخراج شعبه من الاضطهاد والجهل إلى الحرية والتنوير. لكن الأعداء الغربيين لم يستسيغوا ذلك.


    من مقولات سانكارا:

    “ثورتنا تستند على سائر التجارب  الإنسانية بدءا من أول خطوات للبشرية. ونحن نريد أن نستلهم كل ثورات العالم، ونضالات كل شعوب العالم الثالث من أجل التحرر”.


    سانكارا قام بتخفيض راتبه إلى 450 دولارا. ومجمل ممتلكاته كانت عبارة عن سيارة شخصية ودراجة هوائية وثلاثة قيثارات وثلاجة مع فريزر مكسر.


    سانكارا الذي أجبر وزراء حكومته التخلي عن سيارات مرسيدس الفارهة وامتطاء أرخص سيارات في البلاد؛ هو من قام بتطعيم 2.5 مليون طفل ضد إلتهاب السحايا والحمى الصفراء والحصبة. وأطلق حملة وطنية واسعة لمكافحة الأمية. والنتيجة : أرتفع معدل معرفة القراءة والكتابة من 13 ٪ عام 1983 إلى 73 ٪ في عام 1987. سانكارا وزع الأراضي على الفلاحين الصغار، وقام بترقية النساء إلى مناصب قيادية، مع تشجيعهن على العمل والدراسة، وسن لهن عطلة الأمومة. كما عمل على غرس أكثر من 10 مليون شجرة لحماية الساحل من التصحر وتعرية التربة. قام ببناء الطرق والسكك الحديدية. ورفض ما تسمى “المساعدات الإنسانية” قائلا: ” إن الذي يطعمك هو من سيسيطر عليك.”


    الزعيم الراحل سانكارا قام كذلك بدعوة الشعوب الأفريقية إلى التكتل من أجل مكافحة الديون الخارجية، قائلا “إن الفقراء ليسوا ملزمين بأداء الربح للأغنياء والمستغلين.”


    اليوم، هاهو خلفه، إبراهيم تراوري Ibrahim Traoré، الذي وصل إلى السلطة في أكتوبر 2022، هو من سار على هذا النهج. ففي خلال سنتين فقط من حكمه، نما الناتج المحلي الإجمالي لبوركينا فاسو من حوالي 18.8 مليار دولار إلى 22.1 مليار دولار. وهو من رفض قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قائلا : “أفريقيا لا تحتاج إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو أوروبا أو الولايات المتحدة.”


    وبالمقابل، قام تراوري بخفض رواتب الوزراء و البرلمانيين بنسبة 30٪ وزاد من رواتب المسؤولين الحكوميين بنسبة 50٪. أوقف تصدير الذهب غير المكرر من بوركينا فاسو إلى أوروبا، ثم حظر وسائل الإعلام التابعة لفرنسا بعدما أنهى عملياتها العسكرية وطرد قواتها نهائيا من البلاد.


    بوركينا فاسو حاليا تشن حربا ضد الإرهابيين الإسلاميويين- كراكيز الغرب، وفي نفس الوقت، ولأول مرة في تاريخها، تقوم بإنشاء صناعتها الوطنية، وتثبيت  مصادرها من الطاقة وخلق إعلام مستقل عن القوى العظمى الأجنبية. كما تولي اهتماما كبيرا للتعليم والثقافة ولتعزيز الوعي، بأن إفريقيا ليست متسولة، ولكنها  قارة غنية تحتاج إلى استعادة ثروتها.


    تراوري نجا من عدة محاولات إغتيال، ومثله مثل من سبقوه (فيدل كاسترو أو تشي غيفارا أو باتريس لومومبا)، أصبح هدفا لحملة أكاذيب من قبل “الصحافة الديمقراطية العالمية”، التي صارت تفوح فجأة بقلقها بشأن”حقوق الإنسان” في بوركينا فاسو.


    توماس سانكارا كان يدافع عن بلاده، قتلوه وعمره لا يتجاوز 37 عاما. وجاء إبراهيم تراوري ليحمل كذلك مشعل الدفاع عن بلده ،”وطن النزهاء”، الذي أصبح اليوم أكبر منبر لثورات التحرر الوطني في القارة، من أجل مستقبل  مشترك واعد لكل شعوبها.


    ولعل المشروع السياسي لحكومة تراوري الشابة في اللحظة الراهنة هو الأكثر صدقا وواقعية، رغم أنه محفوف بالمخاطر في عالمنا المضطرب.


    عن قناة تلغرام :

    https://t.me/olegyasynsky

    اشتركوا في القناة                                                     

    شارك على: