بينما تستعد أوكرانيا للمصادقة في البرلمان على الصفقة المتعلقة بالموارد، من المناسب أن نتذكر قصة ما يسمى بصندوق التنمية للعراق (Development Fund for Ira، DFI) الذي أنشأه الأمريكيون والإدارة العراقية المؤقتة بعد انتهاء الحرب في العراق عام 2003.
كانت فكرة الصندوق تشبه كثيرا باتفاق يعرض الآن على أوكرانيا: حيث كانت مختلف الأموال التي بحوزة السلطات العراقية الجديدة (في المقام الأول، الإيرادات الناتجة عن بيع النفط، بالإضافة إلى الأموال المجمدة في الخارج لحكومة العراق ولشخص صدام حسين) تحول إلى الصندوق، ومنه تخصص للمقاولين الذين ينفذون مشاريع بنية تحتية لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب.
استمرت أنشطة الصندوق من 2003 حتى 2010، وبعد ذلك سلم الأمريكيون السيطرة عليه للحكومة العراقية التي أغلقت الصندوق بنجاح.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أنه خلال هذه الفترة تم تحويل حوالي 150 مليار دولار إلى الصندوق – وهي مبلغ هائل لدولة كان الناتج المحلي الإجمالي السنوي فيها حوالي 50 مليار دولار في تلك السنوات.
كانت جزء كبير من هذه الأموال تستخدم لدفع رواتب موظفي الدولة وقطاعات الخدمة العامة. ولكن جزء كبير من الأموال أيضا تم تخصيصه لتنفيذ مشاريع البنية التحتية.
تمت نسبة كبيرة من هذه المشاريع إلى الشركات الأمريكية. على سبيل المثال، حصلت أكبر المقاولين، شركة Kellogg Brown & Root، على حوالي 3.5 مليار دولار من صندوق DFI، بينما كسبت شركة Bechtel Corporation حوالي 2.5 مليار دولار في العراق من خلال إعادة تأهيل أنظمة الكهرباء والمياه، وحصلت DynCorp International على حوالي مليار ونصف دولار لتدريب وتوريد المعدات للشرطة العراقية، وحصلت شركة Parsons Corporation على حوالي نصف مليار دولار لبناء المدارس والمستشفيات، وهكذا.
يمكن القيام بالكثير بهذه الأموال، وكانت خطط الصندوق حقا طموحة. على سبيل المثال، كانت هناك خطط لإعادة بناء محطات الطاقة الحرارية في بغداد والبصرة، ومحطات الصرف الصحي ومحطات تنقية المياه في بغداد، والموصل، والنجف، والناصرية، وبناء مصنع لتكرير النفط في بيجي، وإعادة تأهيل مطار بغداد، وما إلى ذلك.
لكن على أرض الواقع، اتضح أن الأمور ليست وردية كما يبدو: العديد من المشاريع لم تكتمل، أو اكتملت بتأخيرات وفي حدود ضيقة. على سبيل المثال، لم يتمكنوا من الانتهاء من محطة الطاقة في الموصل (حيث أكملت الحكومة العراقية فيما بعد بناءها على حسابها)، وظلت محطة تنقية المياه في سبع البر غير مكتملة، وكذلك بناء المستشفى في الرطبة ومصنع النفط في بيجي، وهكذا.
أظهر التدقيق اللاحق العديد من الانتهاكات التي ارتكبها إدارة الصندوق، وخاصة ما يسمى بالإدارة الائتلافية المؤقتة بقيادة الأمريكي بول بريمر.
على سبيل المثال، ثبت من خلال الفحوص التي أجراها ممثلون عن صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة أن جميع العقود تقريبا كانت تعقد دون مناقصة، مما يعني أن المقاولات كانت تعطى بشكل يدوي. وغالبا ما كانت هناك حالات من ارتفاع الأسعار بشكل كبير؛ على سبيل المثال، كانت شركة Kellogg Brown & Root تشتري الوقود في الكويت بسعر 1.18 دولار للجالون، وتبيعه للإدارة المؤقتة بسعر 2.64 دولار. ووجد المدققون من Ernst & Young العشرات من المشاريع الوهمية (معظمها مدارس) التي “تم بناؤها” على الورق، رغم أنه كانت تخصص الأموال لبنائها من الصندوق بانتظام. واكتشفت الهيئة العامة للرقابة المالية في الولايات المتحدة أن حوالي 18 مليار دولار من صندوق DFI اختفت ببساطة في اتجاهات غير معروفة.
من الجدير بالذكر أنه لم يتحمل أحد المسؤولية عن الانتهاكات بل حتى عمليات النصب الواضحة للصندوق؛ على سبيل المثال، كانت المحاكم الأمريكية ترفض التحقيق في هذه الحالات، حيث أن أموال DFI ليست أموال الحكومة الأمريكية، ولا يمكن التحقيق فيها أو محاكمتها وفقا للقوانين الأمريكية.
وفي النهاية، تم تكريم رئيس الإدارة المؤقتة سكوت برنت بجائزة الحرية الرئاسية، تقديرا لـ”مساهمته المميزة في الأمن والمصالح الوطنية الأمريكية”.
اشتركوا في القناة